في الشهر الماضي، ومع طغيان حكم العصابات على احترام العملية الديمقراطية في بوليفيا، أصبحت أنا شخصيا آخر رئيس منتخب ديمقراطياً في أميركا اللاتينية يتم خلعه من منصبه· والآن باعتبار أن أعمال الشغب قد خفت حدتها، بات البوليفيون يقفون عند مفترق طرق: فمن جهة، هناك طريق إلى الديمقراطية والتنمية والسلام؛ ومن جهة أخرى هناك الطريق المسدود الذي تسلكه الطريقة الشعبية ومنهج الحمائية· وفي حال اختار البوليفيون أيا من هاتين الطريقين فإنهم سيواجهون مقتضيات عميقة ليس فقط فيما يتعلق ببوليفيا بل بنصف الكرة الجنوبي كله·
إن التحديات التي يواجهها بلدي كثيرة ومعقدة: فهناك قرون من الاستغلال وانعدام المساواة التي أدت إلى تهميش السكان الأصليين الذين يشكلون أغلبية السكان؛ وتشكل تضاريسنا الجبلية الوعرة عقبات أمام التجارة والنقل؛ كما تضخمت أضرار الفقر بسبب اتساع الهوة ما بين الفقراء والأغنياء· وقد أدى الكساد الإقليمي الذي ساد في السنوات الخمس الأخيرة إلى مضاعفة أرقام البطالة·
وتساعدنا هذه المشكلات الصعبة في شرح أسباب الفقر والغضب اللذين يسودان بوليفيا، وكذلك الأسباب التي تجعل حلول الأحزاب الشعبية تتمتع بالجاذبية· غير أن مجاراة مخاوف الناس ومشاعر الاحباط لا يشكلان بديلاً عن الزعامة· بل إن البوليفين يحتاجون إلى حلول تغير حياتهم إلى الأفضل استناداً إلى وقائع التكافل وليس إلى التصورات الرومانسية التي تحلم بالاكتفاء الذاتي القومي·
وقد كرست أنا والكثيرين غيري مدة ربع قرن من الخدمة العامة في سبيل استعادة الديمقراطية في بوليفيا وكذلك العدالة الاجتماعية وعملية التحديث· لقد قطع البوليفيون أشواطاً طويلة حقيقية بفتح اقتصادهم وإسناد السلطة إلى المواطنين وتأمين أطول فترة من الحكم الدستوري في تاريخنا كله· غير أن الكثير من البوليفيين لم يستفيدوا حتى الآن من الأسواق الحرة وما زالوا يعانون من أعباء الإصلاح· ولذلك عملت من موقعي كرئيس للجمهورية بكل جهد لإدخال الغاز الطبيعي البوليفي إلى الأسواق·
وفي أثناء فترتي الرئاسية الأولى بين عامي 1993 و،1997 قمت بتشريع السياسات التي مكنت بوليفيا من اكتشاف واستخراج احتياطيات الغاز التي من الممكن أن تدوم لمئات من السنين بحسب معدلات الاستهلاك الحالية·ذلك أن هذه الموارد تتضمن قوة إحداث التغيير في مستقبل بوليفيا· ومن شأن الخطة القاضية بتصدير الغاز الطبيعي من أحد موانئنا على المحيط الهادي إلى ولاية كاليفورنيا أن تضاعف عائدات التصدير البوليفية وأن تغلق باب العجز في غضون فترة قصيرة مقدارها خمس سنوات· ويتسنى لنا بذلك تحويل مئات الآلاف من المنازل والسيارات إلى استهلاك الغاز الطبيعي فيتحقق بذلك تقليص تكاليف الطاقة التي يستهلكها الشعب· كما يتسنى لنا بذلك أيضاً تحفيز التقدم حيث يكون البوليفيون في أمس الحاجة إليه، وذلك باستثمار 100% من عائدات الضرائب على الغاز في ميادين الصحة والتعليم - وفي ذلك أفضل سبيل إلى انتشال الشعب من هوة الفقر ·
ومن المعلوم أن كلاً من إيفو موراليس وفيليب كويسبي يمثلان أعضاء أكبر اتحاد بوليفي لمزارعي الكوكا، وهما يعارضان هذا الاقتراح· ويعتبر موراليس وكويسبي من الزعماء السياسيين الذين يحظون بالسيطرة على ثلث أعضاء الكونغرس البوليفي؛ وقد كان في وسعهما أن يعملا من خلال قنوات الانشقاق البناءة والسلمية غير أنهما قاما بدلاً من ذلك بتشجيع إقامة المتاريس والحواجز على الطرقات والخروج في المظاهرات·
غير أنهما وعلى رغم كل ما شنوه من هجمات على مشروع تصدير الغاز أخفقا في إيضاح الخيار البديل· إن مقترحات تأميم الصناعات البوليفية وتضييق الخناق على التجارة الحرة لا تقدم إجابة على السؤال المتعلق بكيفية استخراج الموارد لحل مشكلات بوليفية· وقد خاضت بوليفيا تجربة تبني برامج اقتصادية كهذه، غير أنها دفعتنا في مطلع عقد الثمانينيات إلى حافة الانهيار مع وصول التضخم إلى معدل هائل· ويتبجح مناهضو العولمة بأن رفض تصدير الغاز قد أدى إلى إنقاذ مستقبل بوليفيا· ويشبه ذلك قول القائل إن أفضل سبيل أمام رب الأسرة إلى إطعام أسرته هو إقفال باب الثلاجة· إن احتياجات بلادنا من الطاقة على المدى الطويل قد تقزمت أمام ضخامة مواردنا؛ وتستطيع بوليفيا القيام بما لديها من الغاز، أما الحقيقة الصعبة فتقول إن بوليفيا لا تستطيع أن تتحمل الإحجام عن بيع الغاز·
إن الفرص التي أمامنا لن تبقى مفتوحة إلى الأبد؛ وإذا لم نتصرف فإننا سنخسر سوق كاليفورنيا أمام منافسة كل من الغاز الروسي والأندونيسي والاسترالي وغير ذلك، وفي ذلك إشارة تقول للمستثمرين في جميع أنحاء العالم أن بوليفيا ليس لها مستقبل· ومن دون توفر الرأسمال اللازم لاستخراج وتصدير الغاز، ستمضي الإرادة الكامنة دون أن تتحقق، الأمر الذي يعني ابتلاء الفقراء بالمصاعب في الأجيال القادمة·
ومن الممكن أن يكون هذا السيناريو القاتل أشد سوءاً؛ باعتبار أن الولايات الشرقية من بوليفيا والتي تكمن في أراضيها ثروة من الغاز الطبيعي قد تقاوم